الأحد، 9 نوفمبر 2008

العطلة ليست للراحة ياشباب الأمة ..


الراحة بعد العمل والعمل بعد الراحة
قد تكون العطلة فترة راحة يسعد فيها الإنسان لإفلاته من أعباء العمل، وإكراهاته، وأحيانا عبوديته. فيريح نفسه ويستريح، حيث يملؤه الشعور بأنه حي، فيستمتع بالحياة، وينعم بالسعادة في مكان ما تحت الشمس، بعيدا عن المشاكل التي تصادفه في حياته اليومية.وقد لا يكون العمل، كما قال أحد المفكرين (ريتشارد هيدكرت)، هو السبب في هذا الشعور الذي ينتاب الإنسان بالتعب. فقد يكون الإحباط الذي يحس به المرء نتيجة لعدم قيامه بأي عمل نافع، أو الافتقار إلى إنجاز هام. والإحباط الحقيقي ينشأ عندما يعجز المرء عن أن يجد عملا مثمرا يقوم به.وعلى مستوى ثالث، قد يجد العاطلون عن العمل أنفسهم في عطلة دائمة، يعانون فيها من قسوة الفراغ وثقله عليهم. والراحة بالنسبة لهؤلاء هي العمل. وقد يجد الشبان منهم، بعض العزاء في شطآن البحر، وسيماهم على جلودهم، ولسان حالهم يردد: الشمس أرحم بنا.وقد تكون العطلة، بالنسبة للبعض الآخر، من باب ما وصفه العامة ب "التشميسة احسن من التخميسة"، وهم كذلك في عطلة دائمة، لاتكالهم على غيرهم، ممن وصفهم العامة أيضا ب"اخدم يا التاعس للناعس". وينطبق عليهم المثل الشعبي: "الراحة بعد الخدمة راحة، والراحة بعد الراحة اقباحة".وبين هؤلاء وأولئك، يتفاوت ويتباين قياس الزمن. فمنهم من يجد أن العطل تنقضي وتمضي بأسرع من البرق، ولا يمكن قياسها إلا يسرعتي الصوت أو الضوء. ومنهم من يجد أيام العطل ثقيلة، وإيقاعها بطيء سلحفائي.والعطل لاتوفر للجميع، على قدم المساواة، كل أسباب الراحة والرخاء، فهي أيضا تعكس وتجسد التفاوتات الاجتماعية والفوارق الطبقية. ففي الوقت الذي يستمتع فيه الميسورون بالنسائم المنعشة، بيسر، في جو من الإيناس (شهوة مول المظل يمشي في الشمس أو في الظل)؛ يكابد ضعيف الدخل المشقة حتى في عطلته، التي هي مصاريف إضافية تليها مصاريف الدخول المدرسي، فيتعامل معها من باب "زد على احمار الشيخ ما نايضش ما نايضش".
العطل المدرسية
تغبط أسرة التعليم، من باقي موظفي الدولة بل والعاملين في كل المهن والحرف، على ما تتمتع به من امتياز العطل، خاصة عطلة الصيف، وما أدراك ما عطلة الصيف، والتي قد تستغرق أزيد من ثلاثة أشهر. وقد أصبحت العطل من بين دوافع اختيار هذه المهنة النبيلة. وقد أجاب أحد المرشحين لاجتياز مباراة ولوج مدرسة المعلمين على سؤال "اذكر ثلاثة أسباب لاختيارك مهنة التعليم" بالجواب التالي: أولا عطلة الربيع، ثانيا عطلة رأس السنة، وثالثا عطلة الصيف.وللعطلة شوق وفرح خاصين، لا يمكن أن تعبر عنهما إلا براءة الأطفال. فقد سئل طفل إن كان يحب المدرسة، فأجاب: "نعم، فلولا المدرسة لما كانت العطل". وتعرضت متسولة مع ابنها لمعلم وسألته: "فرح هاد الولد اليتيم الله يعطيك الخير"، فسألها إن كان الولد يذهب إلى المدرسة، فردت بالإيجاب، والتفت إلى الطفل وقال له: افرح يا ابني فغدا يوم عطلة!.وسأل مفتش تعليم مديرة مدرسة عن الضجة المنبعثة من إحدى قاعات المدرسة، فأوضحت له أن ذلك من فعل تأثير الفرحة بعد الإعلان عن العطلة. فعلق المفتش على ذلك بأنه أمر طبيعي، اعتبارا لسن التلاميذ الذين هم قبل كل شيء أطفال. لكن المديرة عادت لتوضح له أن القاعة إنما هي قاعة المعلمين. ففرحة العطلة ليست مقتصرة على التلاميذ والطلبة فحسب.وربما بدافع الغيرة والحسد يسائل الشاعر الطلبة قائلا:إذا كان يؤديك حر المصيــــ ـــف وكرب الخريف وبرد الشتاويلهيك حسن زمان الربيــــ ـــــع فأخذك للعلم قل لي متى وإذا كانت العطل، خاصة عطل الصيف، غير مقتصرة على قطاع التعليم بل تمتد إلى كافة نشاطات المجتمع، فإن امتداد التعليم وسيطرته على نسيج المجتمع يجعل نظام عطله مهيمنا، ويطرح قضايا اجتماعية متعددة ومتشابكة. والمعضلة أن العطل، عند الغالبية، هي إتباع طقوس وعادات في أوقات مناسبة، وهو مفهوم أقرب إلى الشكلية منه إلى خدمة المجتمع وتطوره، وتلك قضية أخرى.والعامة تقول: "الشمس والهوا، هما الصحة هما الدوا". فمن فوائد العطلة هواء جديد تضخه الرئتان، وأشياء جديدة يقع عليها النظر، وأفكار جديدة يستفيذ منها العقل، الذي لا يجب أن يكون في إجازة كما قال الشاعر نزار قباني عن العقل العربي، إذ يجب الإستمتاع بالعطلة مع الاستفادة مما تتيحه من إمكانيات التأثير في تكوين الفكر وبناء الشخصية وإغناء الثقافة، حتى يعود المرء إلى عمله وهو أكثر حيوية وقدرة على العطاء

ليست هناك تعليقات: