السبت، 15 نوفمبر 2008

دور الثقف

إن المثقف هو الإنسان الذي يتجاوز دائرة ذاته نحو المجتمع بأكمله، وهو القادر على أن يجعل مشاكل الآخرين هموماً شخصيةً له، وبذلك فهو يكون ضمير عصره سواء في إدراك أخطار الحاضر أو الحلم بالمستقبل، يرصد ويحلل، يتوقع ويتصور، ولا يضيع في التفاصيل وإن تابعها، إنه بإختصار مفكر حقيقي.
قد يعتقد البعض أن هناك مبالغة في شمولية كلية كهذه، لكننا نراه كذلك، أو يفترض به أن يكون كذلك، ضمير الأمة المتصل بكل آمالها وآلامها، لأن وظيفة المثقف ليست الإسهام والمشاركة فحسب، وإنما القيادة والتوجيه، والتقييم والتقويم لمسيرة المجتمعات، ولأنه مصدر الوعي وداعية حقيقي للبناء والنهضة ، فهو الصحفي في جلاء الحقيقة، والمعلم في تمكين المعرفة، والقانوني في بسط العدالة، والسياسي الساعي لتحقيق الديمقراطية.
هناك أخطاء شائعة أصبحت جزءاً من مدركات العامة، فعندما تذكر كلمة مثقف يقفز الى الذهن أنه الإنسان الذي يحمل الشهادة.. الجامعي أو الأكاديمي، وأننا لا ننكر هذا على أصحاب الشهادات، لكن في الحقيقة لا أعتقد بوجود كثيرين يختلفون معي، في أن المثقف هو إنسان يتملكه الإحساس بمن حوله، ويستطيع بملكته أن يعبر عن ذلك الإحساس بطرق مختلفة، وليس لذلك علاقة بالشهادات والدرجات العلمية، فالمثقف قد يكون إنسانا بسيطا مبدعا، يحس بمعانات ألآخرين، يحمل آمالهم ويعيش قضاياهم وليس بالضرورة أن يكون اكاديمياً، وأن الجمع بين الصفتين قد كان رافداً مهماً للعطاء الإنساني.
المثقف يشكل وعياً عميقاً بمجتمعه، لأن الإبداع لاينفصل عن الإحساس بالحياة وتنوع اتجاهاتها، لأنه يمتلك رؤية للحياة والتعبير عن نبض الشارع الثقافي ... فهو يشهر قلمه في وجه ‏الواقع المتخلف رافضاً وداعياً للتطور من منطلق إدراكه بأن الأفكار تسهم في صناعة التاريخ إذا تحولت إلى ‏فعل.
إن أي توقف في عملية تطوير الثقافة والفكر يعد استثناءً تاريخيا، وهو يؤدي إلى انحراف في مسار عملية البناء الاجتماعي. لذلك لابد من الدقة في تفسير معنى المثقف لأن الخطأ في التفسير، سيؤدي حتما إلى خطأ في تفسير دور الثقافة وعندها يبدأ الغموض في تحديد الدور التاريخي والحضاري.
والسؤال هنا : ما هو دور المثقف ؟
المثقف بكل الوصف الذي سبق أن قلنا، يمكن أن يلعب دوراً محورياً في عملية التطور الحضاري، لكنه يبقى ابن بيئته، ويخضع لما تخضع له من قيود، فأحيانا يكون قادرا على الرؤية والتصور والتحليل، وفي أحيان أخرى وهي كثيرة يكون غير قادر على التواصل، وبالتالي فإنه سيقف قاصراً عن المعالجة، إذ أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية وعملية التكوين الفكري والنفسي من العوامل التي لها الأثر الكبير في دور وموقف المثقف.
الحقيقة أن الهدف من تناول هذا الموضوع، هو التأكيد على ضرورة أن تتعامل قطاعات المثقفين بإيجابية كبيرة مع قضايا المجتمع، وذلك لأهمية دورهم في التنمية الاجتماعية ...

ليست هناك تعليقات: