الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

تعد اللغة العربية أقدم اللغات الحية على وجه الأرض، و على اختلاف بين الباحثين حول عمر هذه اللغة؛ لا نجد شكاً في أن العربية التي نستخدمها اليوم أمضت ما يزيد على ألف وستمائة سنة، وقد تكفّل الله - سبحانه و تعالى- بحفظ هذه اللغة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون}، و مذ عصور الإسلام الأولى انتشرت العربية في معظم أرجاء المعمورة وبلغت ما بلغه الإسلام وارتبطت بحياة المسلمين فأصبحت لغة العلم و الأدب والسياسة و الحضارة فضلاً عن كونها لغة الدين والعبادة. لقد استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الحضارات المختلفة؛ العربية، والفارسية، واليونانية، والهندية، المعاصرة لها في ذلك الوقت، و أن تجعل منها حضارة واحدة، عالمية المنزع، إنسانية الرؤية، وذلك لأول مرّة في التاريخ، ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة. إن أهمية اللغة العربية تنبع من نواحٍ عدّة؛ أهمها: ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي و القرآن الكريم، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم و لتنزل بها الرسالة الخاتمة {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}، و من هذا المنطلق ندرك عميق الصلة بين العربية و الإسلام، كما نجد تلك العلاقة على لسان العديد من العلماء ومنهم ابن تيمية حين قال: " معلوم أن تعلم العربية و تعليم العربية فرضٌ على الكفاية ". وقال أيضا " إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب و السنة فرضٌ، و لا يفهم إلا باللغة العربية، ومالا يتم الواجب إلا به، فهو واجب "، ويقو الإمام الشافعي في معرض حديثه عن الابتداع في الدين " ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب "، وقال الحسن البصري - رحمه الله- في المبتدعة " أهلكتهم العجمة ". كما تتجلى أهمية العربية في أنها المفتاح إلى الثقافة الإسلامية و العربية، ذلك أنها تتيح لمتعلمها الإطلاع على كم حضاري و فكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون،وخلّفت إرثاً حضارياً ضخما في مختلف الفنون و شتى العلوم. وتنبع أهمية العربية في أنها من أقوى الروابط و الصلات بين المسلمين، ذلك أن اللغة من أهم مقوّمات الوحدة بين المجتمعات. وقد دأبت الأمة منذ القدم على الحرص على تعليم لغتها و نشرها للراغبين فيها على اختلاف أجناسهم و ألوانهم وما زالت، فالعربية لم تعد لغة خاصة بالعرب وحدهم، بل أضحت لغة عالمية يطلبها ملايين المسلمين في العالم اليوم لارتباطها بدينهم و ثقافتهم الإسلامية، كما أننا نشهد رغبة في تعلم اللغة من غير المسلمين للتواصل مع أهل اللغة من جانب و للتواصل مع التراث العربي و الإسلامي من جهة أخرى. إن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يعد مجالاً خصباً؛ لكثرة الطلب على اللغة من جانب، ولقلّة الجهود المبذولة في هذا الميدان من جانب آخر، و قد سعت العديد من المؤسسات الرسمية و الهيئات التعليمة إلى تقديم شيء في هذا الميدان إلا أن الطلب على اللغة العربية لا يمكن مقارنته بالجهود المبذولة، فمهما قدّمت الجامعات في الدول العربية و المنظمات الرسمية من جهد يظل بحاجة إلى المزيد و المزيد. ومن هنا شَرُفَت العربية للجميع بأن تكون لبنة في هذا الجهد المبذول لخدمة هذه اللغة المباركة
تُعتبر مادة اللغة العربية مادة أساسية ومُتَطلَّبا جامعيا إجباريا في معظم الجامعات الجزائرية ويدُل هذا على أهمية اللغة العربية للطالب الجامعي,فهنالك ضعفٌ ملحوظٌ لدى نسبة كبيرة من الطلاب في لغتهم,من ناحية المحادثة والقدرة على التواصل من خلالها,وضعف في قواعدها ومهاراتها الإملائية, وهنالك عدّة عوامل مؤثرة ومهمّة لها علاقة بضعف اللغة عند الطلاب,فدائما يرى الطالب أن اللغة هي عدوٌّ له منذ مراحله الدراسية في المدرسة وصولاً للجامعة,وخصوصا بالجامعة,يدخل الطالب الفصل,وهو واثقٌ بأنه ضعيفٌ في اللغة,ويكرهها,وسيرسب بها,فهذا الانطباع المُسبق سيجعل الأمرَ طبيعيا بِعَدَمِ اجتياز الطالب لمادة اللغة العربية.
تكمن أهمية اللغة للطالب الجامعي في عديد من الأمور,فهي ليست مجرد مادة كبقية المتطلبات الجامعية فقط,بل هي أساس في تكوين شخصية الطالب لتنمية مهارته في التواصل مع الآخرين في حياته الرسمية أو العملية على الأقل,وهي لغته الحقيقية,ويجب أن يكون مُلِمّا بالحد الأدنى من قواعدها الأساسية,كالإعراب والتشكيل والإملاء,وأيضا هنالك عبءٌ على الهيئات التدريسية في الجامعات,حيث على الأستاذ أن يكونَ مَرِنا في إيصال المعلومات إلى الطلاب,وليس جافا ونَزِقا,وعليه أن يجعل الطالب مُحبِّا للغة,مُستَقبِلا ومستمِعا جيدا,وهنالك العديد من الوسائل الإيضاحية وطرق للشرح وسكب المعلومات بانسيابية تُساعد الطالب بأن يكون مُهتمَّا وجادّا ويريد أن يستفيد حقا من اللغة.
ومن المسائل المهمة في تدريس مادة اللغة العربية في الجامعات, تطوير وتغيير أساليب التدريس,فليس من الضروري أن تقوم فقط على كتاب يأتي به الطالب ويحفظه دون أن يفهم شيئا,وبعد نهاية الفصل يتخلّص منه كأنه حِملٌ ثقيلٌ على كاهله,فهكذا لن يستفيد الطالب,وسيبقى حاله على ما هو عليه,فيجب وضع خطط مُجدية وسهلة ومُناسبة مع قدرات الطالب,مع ضمان تنمية وتطوير قدرات الطلاب في استخدامهم للغة,فالمتلقي يتأثر بأسلوب الطرح,ويتأثر في مدى مرونته وسهولته,فإن كان الطرح للمادة أكاديميا بحتا,سيمَلُّ الطالب,ويرى اللغة من منظور سلبي وبأنها مجموعة من القوانين المُعقَّدة والقواعد الجافة التي لا فائدة من دراستها وتعلُّمها,فاللغة,أيّة لغة كانت,هي عبارة عن ممارسة,بغضِّ النظر عن علاقة المُتلقي بها,أي إن كان يُحبُّها أو لا,فبتعويده على سماع اللغة والتعامل معها من خلال القراءة والكتابة,سيُتقن الحد الأدنى من كيفية استخدامها بشكل سليم,فبالتالي على الطرح أن يكونَ بصورةٍ عملية وتدريبية لامنهجية ولكن بِخطّة مَرِنة,حيث يتم تدريس اللغة العربية بتعليم الطلاب مهارات الكتابة السليمة والقراءة والاستماع والمحادثة,من خلال اقتراحات يُقدمها الأستاذ على الطلاب,كمناقشة قصيدة ما,أو مقالة,أو أي شيء يستطيع به الأستاذ أن يكون متواصلا به مع الطلاب باللغة العربية الفصحى,لكي يتعوّد الطالب على سماعها والتحدث بها.
ستؤدي هذه النقاشات إلى خلق متعة في التواصل بين الطالب والأستاذ,فالنقاش في هذه الأمور يجعل عند الطالب حب استطلاع ورغبة في السؤال عن ما يشذُّ في القواعد مثلا,وأيضا عندما يقوم الأستاذ بضرب الأمثال من القرآن الكريم,أو الشعر القديم,سيتم من خلال هذه الطريقة توضيح جماليات اللغة العربية وصورها الرائعة مما يزيد من لفت نظر الطالب إلى لُغته واستمتاعه بجمالياتها وقد تراه يفتخر بكون لغته تملك هذه الجماليات,وأيضا توضيح ميزة الحروف وأصواتها وطاقتها التعبيرية التي تمتلكها لغتنا سيزيد من ميول الطالب نحوها,وسيبحث بها أكثر لكي يعرف ويُنَمِّي مهاراته.
اللغة العربية تُمثِّل هُوية تاريخية وقومية لنا,وعلينا التمسُّك بها وتدريسها بشتّى الوسائل الحضارية الممكنة,ومن خلال التعويد على ممارستها عن الطريق المحاضرات الجامعية والندوات والبرامج التلفزيونية الهادفة المُتحدِّثة في الفصحى سنرى أن هنالك اهتمام أكبر من الطلاب بها وسنرى تطورا ملحوظا بأدائهم,ودائما علينا بالتذكير أنها لغة القرآن الكريم التي خاطب بها الله تعالى كل البشر بها,بمعنى آخر,هي لغة الخالق.
ويستحضرني قول محمود درويش في قصيدة "قافية من أجل المُعلّقات" في مديحه للغةِ قائلا:
"هذهِ لُغَتي ومُعجِزتي.عصا سِحري.حدائِقُ بابلي ومِسلَّتي,وهُويتي الأولى,ومعدنيَ الصقيلُ....ومقدَّسُ العربيِّ في الصحراءِ,يعبدُ مايسيلُ...من القوافي كالنجومِ على عبائتهِ,ويعبدُ ما يقولُ....لابُدَّ من نثرٍ إذاً...لا بُدَّ من نثرٍ إلهيٍّ لينتَصِرَ الرَّسولُ..."
إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم , لغة الله التي اختارها لكلامه يخاطب بها أهل الأرض , والواجب على أستاذ اللغة العربية أن يتجاوب مع قدسية لغته وعمق عقيدته ويكون مدرسا عقائديا , تتفجر معاني عقيدته السمحة المشرقة من خلال كلماته , وتفيض من عذب حديثه , وتشع من بين شفتيه وتقلبات لسانه , وبهذا تكون رسالته محمولة في لغته .
2- حسن الخلق : إن أستاذ العربية هو الذي يحمل بلغته التراث الإسلامي والإنساني إلى التلاميذ وجميل بهذا التراث المحمول عن طريق لغة الأستاذ أن يجد وعاء يناسب مقامه وسمو قدره بسلوك الأستاذ الرفيع وطيب خلقه .
3- غزارة المادة العلمية : يجب أن يكون أستاذ العربية ملما بمادته إلماما كافيا ولا يقف عند منهجه فحسب ولكن ينبغي أن يحيط بمادته إحاطة واسعة عميقة وأن يعتمد في ذلك على المراجع المبسوطة والموسوعات كما يجب أن لا يقتصر على ما سبق أن حصله من هذه المادة وهو في مرحلة التعليم , بل ينبغي أن يتتبع بالدرس والقراءة ما يجد في مادته من آ راء مبتكرة ومؤلفات حديثه وأن يساير دائما تيارات التطور الثقافي ومعالم الدراسات التجديدية .
إن لأستاذ العربية آفاقا واسعة في اختصاصه العلمي فهو يقوّم الألسن بتدريسه , مما يدعوه إلى ضبط حركات وسكنات كل حرف حسب قواعد اللغة العربية الواسعة جدا , وهو يحمل أساليب التعبير ويحسنها بتدريسه البلاغة والنقد الأدبي وما فيها من سعة وبيان وبتدريسه الأدب العربي في سائر مراحله المختلفة , وما يحتاج ذلك من سعة اطلاع وإحاطة وهو يعنى بجودة النطق مما يقتضي معرفته قواعد النطق الصحيحة ومخارج الحروف .
وهو يعنى برسم الحروف بصورة صحيحة وجيدة على قواعد دقيقة مما يلزم الأستاذ بحسن الخط وإتقان قواعد الإملاء .
4- معرفته بأهمية اللغة :
على أستاذ اللغة العربية أن يدرك أهمية المادة التي يدرسها وأن يعرف وظيفة اللغة في حياة المجتمع حتى يعطيها حقها من الاهتمام وحسن الأداء وعليه أن يبصّر طلابه بأهمية اللغة في الحياة ليدركوا أنهم يتعلمون شيئا يحتاجون إليه في
حيا تهم ، فيقبلون على تعلمها بشغف واشتياق .
كما ينبغي لأستاذ اللغة العربية أن ينظر إلي اللغة على أنها ليست مادة دراسية فحسب ، بل هي لغة وظيفية ينبغي أن تستعمل في كل حين وألا يقتصر تعليمها على فترات معينة محدودة ، بل يجب تدريب التلاميذ على الاستعمال اللغوي الصحيح في كل فرصة ممكنة ,وعليه أن يدرك أن اللغة تدرس لتؤدي وظيفتها في مواقف الحياة التي تواجهه كأن يكتب بها تقريرا أو يرسل بها برقية أو رسالة أو بطاقة دعوة أو يدير بها ندوة أو يشارك بها في مناقشة أو يلقي بها كلمة .. وذلك كله فوق استخدامها في التعبير الإبداعي عن النفس .
ومن أشد ما تصاب به اللغة أن يهمل استخدامها في الحياة فتتحول على ألسنة كثير من الدارسين قوالب لاتحركها الدوافع والحاجات ولا تطلق طاقتها أنشطة الحياة وما تموج به من مواقف تتطلب الحديث أو الكتابة .
5- معرفته بوحدة اللغة وإن تعددت فروعها :
على أستاذ اللغة أن ينظر إلي اللغة على أنها وحدة مترابطة متماسكة , وليست فروعا مختلفة , وإن قسمت إلى الفروع
فإ ن الهدف من ذلك هو تيسير العملية التعليمية وتنسيق العمل في التدريس , وزيادة الاهتمام بلون معين من ألوان الدراسات اللغوية وعلى الأستاذ أن يدرك أن هذه الفروع تهدف إلي غرض واحد وتتعاون على تحقيقه ألا وهو جعل الطالب يستخدمها استخداما صحيحا كتابة وحديثا .
فواجب الأستاذ في مادة المطالعة أن يدرب طلابه على التعبير والإملاء والتذوق الأدبي بجانب التدريب على القراءة والاستيعاب .
وفي مادة القواعد يجب على الأستاذ أن يدرب طلابه على التعبير والتذوق و الإملاء بجانب تدريبهم على الاستعمال اللغوي الصحيح .
وفي مادة الإملاء يجب على الأستاذ تدريب الطلاب على التعبير والاستعمال اللغوي الصحيح بجانب تدريبهم على رسم الحروف والكلمات رسما صحيحا .
6 - تفهمه لطرق التدريس :
إن أهم ما ينبغي أن يعرفه أستاذ اللغة العربية هو الطرق التي تيسر تدريس اللغة العربية بفروعها المختلفة وأن يكون باحثا باستمرار عما يجد من أمور في طرق تدريس اللغة العربية . كما ينبغي أن يتعرف على الفروق الفردية عند الطلاب في ذكائهم وميولهم ورغباتهم وقابلياتهم , كل ذلك يكسبه مهارة في اختصاصه , ويزيد من الفائدة العلمية لطلابه , ويقيم التدريس على قواعد علمية صحيحة مشوقة ومثمرة .
كما يجب أن يدرك الأستاذ أن التدريس ليس شيئا عفويا يقوم على الارتجال , وليس محاولة تساندها مجرد الفطرة أو الموهبة أو الممارسة وإنما هو علم له قواعد ونظرياته وتطبيقاته التربوية .
وأن الخبرة وحدها لا تصلح أساسا له , لأنها قد تخطئ وقد تصيب وكثير مما قام على أساسها قد غيرته النظريات والبحوث التربوية الحديثة .
كما ينبغي لأستاذ اللغة العربية أن يوازن بين الأساليب والطرق التي تفرضها كتب الطرق الخاصة بتدريس اللغة العربية وأمامه في ذلك معايير لا تكذبه يمكنه الرجوع إليها , فما ساندته النظريات النفسية والتربوية والتجارب العلمية أخذ به ومالم تسانده آثر غيره عليه .
7-إدراكه لأهمية النشاط المدرسي المتصل باللغة العربية :
يعد النشاط المدرسي المتصل باللغة العربية مهما لكي تهيأ للطلاب الفرص لممارسة فنون اللغة وكسب مهاراتها , واستخدامها بصورة طبيعية في كثير من نواحي الحياة .
إن اللغة لا تتعلم بالقواعد والدراسة بقدر ما تتعلم بالتقليد والمحاكاة , والحديث والكلام والاستماع , والقراءة والكتابة في جو طبيعي غير متكلف .
والساعة التي يقضيها الطالب في حجرة الدراسة لتعلم اللغة العربية تعقبها ساعات في المنزل والمجتمع وكل مكان ــ يتعرض فيها ما تعلمه الطالب لمعاول الهدم والتقويض والنشاط المدرسي وسيلة من الوسائل التي نستعين بها في هذا المضمار و من ثم يكون أستاذ اللغة العربية مسؤولآ عن إدارة هذا النشاط وعن توجيه الطلاب .

ليست هناك تعليقات: